تحديد هوية داريوس المادي
ستيفن د. أنديرسن (دكتوراة في الفلسفة) - 7 تشرين الأول/ أكتوبر، 2020
ترجمة عيسى ق. طنوس
يتحدَّث سفر دانيال في الكتاب المُقدَّس عن ملك يُدعى "داريوس المادي" ابن أحشويروش، الذي حكم أراضي الإمبراطورية البابلية الجديدة بعد سقوط بابل بيد القوّات الماديّة الفارسيّة (دانيال 5: 31). داريوس المادي شخصية مهمة في دانيال 6، ويُشار في دانيال 9: 1 إلى أن رؤيا دانيال المدوَّنة في الأصحاح التاسع قد حصلت في فترة حكم هذا الملك. ولكنّنا نواجه مشكلة حين نحاول أن نحدِّد داريوس المادي هذا في الوثائق غير الكتابية القديمة. فبالاعتماد على مصادر غير كتابية، يُجمِع المؤرِّخون الحديثون على الرأي القائل إنّ كورش الفارسي تمكّن من قهر مادي حوالي العام 553 ق.م. وخلع آخر ملوكها الماديّين عن العرش. وبحسب هذا الرواية لتاريخ الأحداث، حَكَم كورش، بصفته ملك فارس، حاكماً أعلى على كامل الإمبراطورية (المادية) الفارسية حين سقطت بابل عام 539 ق.م.
وقد أجاب العلماء بشأن مشكلة تحديد هوية داريوس المادي في المصادر غير الكتابيّة بسبعة طرقٍ نَصِفُها في ما يلي:
أولاً، داريوس المادي بوصفه شخصية غير حقيقية
بيان الرأي: يُنكِر هذا الرأي تاريخية داريوس المادي وتاريخية سفر دانيال.
المنادون بهذا الرأي: هذا هو الرأي الاعتيادي عند العلماء النقديّين منذ الجزء الأخير من القرن التاسع عشر، مع أنّ قلّةً من العلماء النقديّين يقبلون أحد الآراء الأخرى التي تحدِّد هوية داريوس المادي. من الأمثلة على المنادين بفكرة أن داريوس المادي شخصية خيالية وغير حقيقية درايفر (Driver) وراولي (Rowley) وجراب (Grabbe).
الأساس الفكري: لهذا الرأي نوعان من الأسباب والدوافع: الدافع التاريخي والدافع اللاهوتي. يتعلّق الدافع التاريخي بفكرة أن هناك مصادر غير كتابية تُخبِر بقصةٍ تاريخيةٍ لكورش لا تشير إلى وجود داريوس المادي. المصدر غير الكتابي الأساسي الذي يعتمد عليه العلماء النقديون هو المؤرِّخ اليوناني هيرودوتس. وتُقتبَس نصوص إسفينية (مسماريّة) مختلفة تؤكِّد رواية هيرودوتس. يؤكِّد معظم العلماء النقديون ببساطة على أن هذه المصادر تثبِت عدم وجود داريوس المادي من دون معالجة ما يقترحه علماء آخرون بشأن هوية هذه الشخصية. وبصورة أساسيّة، يرفض النقديون اعتبار سفر دانيال مصدراً تاريخياً، وهذا يعود إلى أسباب لاهوتية، حيث يتمنّى النقديون لو يُثبِتوا أن سفر دانيال ليس كلمة الله، وأنّه بصورةٍ أساسيّة قصّةً خيالية. ولهذا، في كلِّ مرة يبدو فيها أن المصادر غير الكتابية تتعارض مع تصريحاتٍ ترِد في سفر دانيال، يثق النقديون بهذه المصادر غير الكتابية، ويرفضون ما يقوله سفر دانيال.
الاعتراض #1: لهذا الرأي أسباب ودوافع لاهوتية، ولهذا فهو لا يعامل سفر دانيال بحياديّة، بل يسعى إلى دحض ما يصرِّح به. أسباب ودوافع وافتراضات النقديين تحدِّد استنتاجاتهم.
الاعتراض #2: لا يحلِّل هذا الرأي ما يقوله هيرودوتس والمصادر القديمة الأخرى بطريقة نقديةٍ وعلمية بصورةٍ كافية، ولذا فإنّهم لا يلاحِظون المواقف المتحيِّزة والتناقضات في هذه المصادر.
الاعتراض #3: ينبغي لهذا الرأي لا أن يرفض تاريخية سفر دانيال فقط، بل والمصادر غير الكتابية المهمّة المختلفة التي تبدو متّفقةً مع سفر دانيال.
الاعتراض #4: لا يقِرُّ هذا الرأي بإمكانية الشراكة في الحكم ما بين كورش وداريوس المادي، مما يسمح بحكم داريوس المادي خلال فترة حكم كورش.
الاعتراض #5: لا يمكن قبول شخصٍ يؤمن بالكتاب المُقدَّس لهذا الرأي، لأنّه يتناقض بصورة واضحةٍ مع ما يؤكِّد عليه سفر دانيال.
ثانياً: داريوس المادي باعتباره غوبارو
بيان الرأي: يرى هذا الرأي أن داريوس المادي هو "غوبارو" (Gubaru) أو "أوغبارو" (Ugbaru) حاكم غوتيوم (Gutium)، الذي كان متحالفاً مع كورش، وقد دعاه كورش حاكم بابل.
المنادون بهذا الرأي: قَبِل معظم العلماء الإنجيليين الذين كتبوا في الخمس وسبعين سنة الأولى من القرن العشرين هذه النظرية. وقد كان وايتكومب (Whitcomb) هو مَن قدَّم الصيغة الكلاسيكية لهذا الرأي، بينما عدَّل شيا (Shea) في هذا الرأي استجابةً للمشاكل التي وُجِدت في صياغته الكلاسيكية.
الأساس الفكري: ظهرت هذه النظرية بعد اكتشاف نصوصٍ مكتوبةٍ بالخط الإسفيني اعتُبِرت تأكيداً لصيغة قصّة كورش التي قدَّمها المؤرِّخ هيرودوتس. ففي بحث العلماء الإنجيليّين عن شخصية في هذه الصيغة للقصّة يمكن أن يكون داريوس المادي، رأى كثيرون منهم أن داريوس هذا هو غوبارو (الذي يُدعى أيضاً "أوغبارو" [Ugbaru] و"غوبرياس" [Gobryas]). يُذكَر هذا الرجل في كتابات المؤرِّخ زينوفون (Xenophon) وفي وثيقة "أخبار نبونيدس" (Nabonidus Chronicle) وفي نصوص العقود والاتّفاقيّات البابلية. عيَّنَ كورش غوبارو حاكماً لبابل، وبسبب مركزه السامي رأى كثيرون أنّه داريوس المادي. هذه النظرية مبنية جزئياً على اعتبار "مملكة الكلدانيّين" (دانيال 9: 1) أرض الكلدانيين، مع أن مملكة الكلدانيين في الحقيقة كانت تشمل مساحةً أكبر بكثير من منطقة بابل (أرض البابليّين).
نظرية وايتكومب ومشكلتها: رأى وايتكومب أن غوبارو ليس أوغبارو، لأن وثيقة "أخبار نبونيدس" تقول إن أوغبارو مات بعد ثلاثة أسابيع من سقوط بابل. وأما بشأن غوبارو، فإن نصوصَ اتّفاقيات وعقود بابلية تعود إلى الفترة الممتدة من السنة الرابعة لكورش وحتى السنة الخامسة لقمبيز تذكر غوبارو باعتباره حاكم بابل. رأى وايتكومب أن داريوس المادي هو هذا الحاكم الذي يُدعى "غوبارو". المشكلة هي أن وايتكومب افترض أن غوبارو كان الحاكم أيضاً خلال السنوات الأولى من ملك كورش. ولكنّ نصوص العقود والاتّفاقيات تذكر اسماً مختلفاً لحاكم بابل خلال تلك السنوات، وقد كان ذلك هو الحاكم البابلي نفسه الذي حكم بابل قبل سقوطها. وبهذا، لا يمكن أن يكون غوبارو هو الرجل الذي "أخذ المملكة" بعد سقوط بابل مباشرةً (دانيال 5: 31).
نظرية شيا ومشكلتها: يرى شيا أن الشخص الذي يُدعى أوغبارو في وثيقة "أخبار نبونيدس" هو الشخص نفسه الذي يُدعى لاحقاً "غوبارو" في الوثيقة نفسها، ويرى شيا أن داريوس المادي هو هذا الشخص. ولكنّ المعلومات التي نستقيها من "أخبار نبونيدس" تقود إلى الاستنتاج بأن غوبارو لم يتمكّن من الاحتفاظ بمنصب السلطة أكثر من أسبوعٍ بعد سقوط بابل، لأنّ كورش دخل بابل بعد أسبوعين من سقوط المدينة، وافترض شيا أن كورش عيَّن غوبارو حاكماً في ذلك الوقت. ولكنّ غوبارو مات بعد ثمانيةً أيام. حاول شيا أن يُظهِر أن كل أحداث دانيال 6 و9 قد حصلت في أسبوعٍ واحد، ولكنّ يصعب جداً برهنة هذا الفهم.
الاعتراض العام #1: ليس من دليل على أن غوبارو كان يُدعى "داريوس".
الاعتراض العام #2: ليس من دليل على أن أبا غوبارو كان يُدعى "أحشويروش" (وهو اسم ملكي).
الاعتراض العام #3: الرجل الذي يدعوه زينوفون "غوبرياس" يقابل بوضوح الرجل الذي يُدعى "غوبارو" و"أوغبارو" في وثيقة "أخبار نبونيدس"، ويقول زينوفون إن هذا الرجل كان أشورياً، أي أنّه كان في أصوله من منطقة بابل. وليس ممكناً أن نؤكِّد أنّ غوبارو كان مادياً من دون أن يكون هذا الرأي مناقضاً لما قاله زينوفون.
الاعتراض العام #4: ليس من مصدر غير كتابي يصف غوبارو بـ"الملك". ومع أن دانيال 6: 1-7 يستخدم كلمتين آراميتَين في الإشارة إلى الحكّام (פחה وאחשדרפן) مرّات عديدة، فإنّ هاتين الكلمتين لم تُستخدَما في وصف داريوس المادي. فسفر دانيال يعطي لقب "الملك" لداريوس المادي ثلاثين مرة. وفي دانيال 6: 25-27 نرى داريوس يصدِر مرسوماً لكلّ شعوب العالم. ولهذا، يصعب فهم كيف يمكن لداريوس المادي أن يكون مجرَّد حاكم محلي.
الاعتراض العام #5: في دانيال 6: 7-9 يُصدِر داريوس المادي مرسوماً يمنع أيّ إنسانٍ من رفع صلاة إلى أي إلهٍ أو إنسان، بحيث كلّ مَن لديه طلبة عليه أن يقدِّمها له هو. لا يمكن لمثل هذا المرسوم أن يصدُر إلا عن الحاكم الأسمى في المملكة، وليس عن حاكم لمنطقة. ويتمّ التأكيد على الأمر في دانيال 6: 8، 12، 15، حيث يقال إنّه ليس من إنسانٍ في المملكة يستطيع إبطال مرسومٍ أصدره داريوس المادي. وبهذا، نرى سفر دانيال يناقض كلَّ النظريات التي تسعى إلى تحديد هوية داريوس المادي بحاكم محلي.
ثالثاً، داريوس المادي باعتباره كورش
بيان الرأي: يرى هذا الرأي أن داريوس المادي هو كورش، الملك الفارسي.
المنادون بهذا الرأي: كانت هذه النظرية مقبولة عند العلماء الإنجيليين الذين كتبوا في الجزء الأخير من القرن العشرين، بدءاً بوايزمان (Wiseman) عام 1965.
الأساس الفكري: لدى هذا الرأي إمكانية قبول الراوية المُتّفق عليها لقصّة كورش مع التأكيد على تاريخية داريوس المادي. يمتاز هذا الرأي بإمكانية المطابقة بين داريوس وشخصٍ يحمل لقب "ملك" لا منازع له بعد سقوط بابل. بحسب هذه النظرية، ينبغي ترجمة دانيال 6: 28 إلى: "فنجح دانيال هذا في مُلك داريوس، أي في ملك كورش الفارسي" (انظر 1أخبار 5: 26). كانت أمّ كورش ابنة أستياغيس (أو أستياغ؛ Astyages) ملك الماديين، وبالتالي يمكن دعوة كورش بـ"المادي" أو بـ"الفارسي".
الاعتراض #1: يميِّز سفر دانيال دائماً ما بين "كورس الفارسي" و"داريوس المادي". ليس من شرح جيّد لاستخدام هذين الاسمين والوصفين في سفر دانيال إن كانا يشيران إلى الشخص نفسه.
الاعتراض #2: في النقوش الخاصّة بكورش، يعرِّف كورش بنفسه بالفارسيّ لا بالماديّ.
الاعتراض #3: ليس من دليل خارج الكتاب المُقدَّس على أن كورش كان يُدعى "داريوس" أو أن أباه (قمبيز الأول) كان يُدعى "أحشويروش".
الاعتراض #4: تصرِّح كتابات هيرودوتس وزينوفون و"أسطوانة نبونيدس" (cylinder of Nabonidus) بأن كورش كان أقل من اثنتين وستين سنة حين استولى على بابل، وهو ما لا يتناسب مع الوصف المُقدَّم لداريوس المادي في دانيال 5: 31.
الاعتراض #5: هذا الرأي يقبل الرواية التاريخية المألوفة والمُتّفق عليها بشأن كورش من دون أيّ تشكيك، أي أنّه يتبع كتب رواية هيرودوتس التاريخيّة والمصادر التي يبدو أنّها تتفق مع هيرودوتس. لا يضع هذا الرأي في حسبانه أنّه يمكن للمصادر غير الكتابية الأخرى التي تروي قصّة مختلفة أن تكون صائبة.
رابعاً، داريوس المادي باعتباره شخصية تاريخية، دون إمكانية تحديد هويته بصورة مؤكَّدة
بيان الرأي: يؤكِّد هذا الرأي على أن داريوس المادي كان شخصاً له وجود تاريخي حقيقي، ولكن النظر إلى المصادر غير الكتابية لا يساعد في تحديد هويته.
المنادون بهذا الرأي: كان هذا رأي إ. ب. بوسي (E. B. Pusey) في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر. وفي الجزء الأخير من القرن العشرين، صار معظم المُفسِّرين الإنجيليّين يعتنقون هذا الرأي.
الأساس الفكري: يدرِك أصحاب هذا الرأي المشكلات المحيطة بالقول إن داريوس المادي هو غوبارو/ أوغبارو، وكذلك المحيطة بالقول إنّه كورش، ومع هذا فهم يؤمنون بوحي وسلطان سفر دانيال. المُفسِّرون الذين لم يمكنهم تحديد النظرية التي يمكن أن تكون صحيحة، ومع هذا كانوا مقتنعين بأن سفر دانيال يستحق الثقة، تبنّوا هذا الرأي.
اعتراض: قد يكون هذا الرأي مشروعاً في بعض الحالات، ولكنّه في حالات أخرى يُظهِر موقف اللامبالاة في ما يتعلَّق بالصعوبات التاريخية المزعومة في الكتاب المُقدَّس.
خامساً، داريوس المادي باعتباره قمبيز الثاني
بيان الرأي: يرى هذا الرأي أن داريوس المادي هو قمبيز الثاني، ابن كورش وخليفته على العرش.
المنادي بهذا الرأي: هناك عالِمٌ واحدٌ فقط اقترح هذه النظرية، وهو تشارلز باوتفلاور (Boutflower).
الأساسي الفكري: ثمّة نصوص كُتِبت بالخط الإسفيني تصف قمبيز الثاني باعتباره مشاركاً لكورش في الحُكْم خلال السنة الأولى بعد سقوط بابل. وحيث أنّ قمبيز أُعطي لقب "ملك"، فإنّه يمكن أن يكون الملك داريوس الذي أخذ مُلك المملكة البابلية الجديدة بعد سقوط مدينة بابل (دانيال 5: 31).
الاعتراض #1: لا توافُق بين الاسمين. فليس من دليلٍ على أن قمبيز كان يُدعى "داريوس" أو أنّ أباه كورش كان يُدعى "أحشويروش".
الاعتراض #2: مع أن أمّ كورش كان مادية، فإن قمبيز وأباه كانا يُدعيان دائماً في المصادر غير الكتابية فارسيين، وليس ماديين.
الاعتراض #3: لم يكن ممكناً أن يُصدِر قمبيز المرسومَين المذكورَين في دانيال 6: 7-9 ودانيال 6: 25-27 بينما كان أبوه الحاكمَ الأعلى.
الاعتراض #4: كان قمبيز أقل من اثنتين وستين سنة من عمره حين سقطت بابل، وهو ما لا يتوافق مع وصف داريوس المادي في دانيال 5: 31. يقترح باوتفلاور أن النص الآرامي الأصلي لهذه الآية قد تعرَّض لبعض التغيير، ولكن ليس من أدلّةٍ من المخطوطات المتوفّرة تدعم هذا الاقتراح.
سادساً، داريوس المادي باعتباره أستياغيس
بيان الرأي: يرى هذا الرأي أن داريوس المادي هو أستياغيس (أو أستياغ)، جدّ كورش لأمّه.
المنادون بهذا الرأي: علماء قليلون فقط اقترحوا هذا الرأي، منهم جون لايتفوت (John Lightfoot)، وويستكوت (Westcott)، وألفرينك (Alfrink). كما أنّه يظهر في الآية الأولى لقصة "بال والتنين" الأبوكريفية.
الأساس الفكري: يقول هيرودوتس إنّ أستياغيس كان آخر ملكٍ مدياني وأنّه لم يكن له أبناء. إنّ قَبِل أحدٌ هذا القول، فإنّه يكون طبيعياً أن يحاول تحديد هوية داريوس المادي بأستياغيس. يقول هيرودوتس إنّ كورش خلع أستياغيس، ولكنّه لم يقتله. ويمكن افتراض أن كورش أعاد أستياغيس إلى المُلك حين جعل كورش ابنه قمبيز ولي عهده وشريكه في الحكم. ضمن هذا السيناريو، يكون أستياغيس الشريك الثالث في الحكم، بحيث كان مربياً ومدرِّباً لقمبيز، وبالتالي يمكن أن يكون قد أخذ الاسم الملكي "داريوس".
الاعتراض#1: يناقض هذا الرأي ما قاله زينوفون، الذي يؤكِّد أنّ أستياغيس مات قبل أن بدأ كورش حملاته العسكرية وفتوحاته. كما يؤكِّد زينوفون على أن أستياغيس خلفه ابنه كاياجسِريز (أو سياخريس - Cyaxares)، الذي تشارك مع كورش في الحكم. المصادر التي تدعم رأي زينوفون تقدّم دليلاً ضد القول إن داريوس المادي هو أستياغيس.
الاعتراض #2: افتراضات هذا الرأي تخمينية تماماً، حيث ليس من مصدر قديم يقول شيئاً عن إعادة أستياغيس إلى عرشه.
سابعاً، داريوس المادي باعتباره كاياجسِريز الثاني
بيان الرأي: يرى هذا الرأي أن داريوس الثاني هو كاياجسِريز الثاني (أو سياخريس الثاني - Cyaxares II)، ابن أستياغيس وخليفته بحسب المؤرِّخ اليوناني زينوفون.
المنادون بهذا الرأي: هذا هو رأي معظم العلماء اليهود والمسيحيّين من يوسيفوس وجيروم وحتى كيل (Keil) في سبعينيات القرن التاسع عشر، ولكنّه تُرِك بعد اكتشاف نصوص إسفينية بدت أنّها تدعم رواية هيرودوتس حول ارتقاء كورش للعرش، والتي لا تسمح بوجود كاياجسِريز الثاني الذي يتحدَّث زينوفون عنه. ومع هذا، فإن وصف كاياجسِريز في كتاب "كيروبيديا" (Cyropaedia) لزينوفون يتوافق بصورة تامّة مع وصف داريوس المادي الوارد في سفر دانيال. لأن لتحديد هوية داريوس المادي بالاعتماد على رواية هيرودوتس للأحداث التاريخية مشكلات كثيرة، عادت إمكانية كون داريوس المادي هو كايازاريس الثاني إلى انتباه علماء الكتاب المُقدَّس وقد كتبتُ (أنا ستيفن أنديرسن) رسالة الدكتوراة الخاصّة بي (عام 2014، وموجودة في صيغة كتاب ورقيّ وفي صيغة PDF) حول موضوع داريوس المادي، دافعتُ فيها عن كون داريوس المادي هو كاياجسِريز الثاني. وقد تبنّى بعض العلماء الإنجيليين، أمثال كيرك ماككريغور (Kirk MacGregor) وبول تانر (Paul Tanner)، موقفي وحججي بشأن هذا الرأي.
الأساس الفكري: يصف زينوفون كاياجسِريز الثاني باعتباره آخر ملوك الماديين وخال كورش. وبحسب زينوفون، كان كاياجسِريز الثاني ملك مادي بينما كان كورش ملك فارس، وقد تحالف الاثنان في حكومةٍ كونفدرالية واحدة. هذا الترتيب والاتفاق بشأن مشاركة السلطة يمثِّل وسيلة للتوفيق ما بين النصوص الكتابية (مثل إشعياء 45: 1-3) والنصوص غير الكتابية التي تصف كورش باعتباره هازم الممالك من جهة وتأكيد دانيال على أنّه كان هناك ملك أعظم من كورش حين سقطت بابل من جهة أخرى. بحسب زينوفون، عاش كاياجسِريز الثاني سنتين بعد سقوط بابل، وهو وقتٌ كافٍ لحصول أحداث دانيال 6. ولأنّه لم يكن لكاياجسِريز وريثاً ذكراً وكان كورش قد تزوّج ابنته، ورث كورش عرش كاياجسِريز بعد مماته، وتوحَّدت مملكتي مادي وفارسي تحتَ عرشٍ واحد. ومع أن زينوفون يستخدم الاسم "كاياجسِريز " فقط، فثمّة دليل من مصادر أخرى على أن كاياجسِريز اتّخذ "داريوس" اسماً للعرش. كما أنّ ثمّة دليلاً على أن أبا كاياجسِريز، ويدعوه المؤرِّخون اليونانيون "أستياغيس" (أستياغ)، قد اتّخذ "أحشويروش" اسماً للعرش (xerxes - زركسيس). لا يذكر زينوفون عمر كاياجسِريز بالضبط، ولكنّ تأكيده على أن كاياجسِريز كان أكبر من كورش يتوافق مع تأكيد دانيال 5: 31 على أن داريوس المادي كان في الثانية والستين من عمره حين سقطت بابل. وباختصار، كاياجسِريز، الذي يتحدَّث زينوفون عنه، يتوافق بصورة ممتازة مع وصف داريوس المادي في سفر دانيال. وفي رسالة الدكتوراة خاصّتي، قدَّمتُ دراسة مُفصَّلة لمصادر غير كتابية أخرى تقدِّم معلوماتٍ عن موضوع كورش وداريوس المادي، ووجدتُ أدلةً قويّة تدعم فكرة وجود كاياجسِريز الثاني/ داريوس المادي.
الاعتراض#1: نصوص العقود والاتفاقيات البابلية تُؤرَّخ بحسب سني حكم كورش بدءاً من سقوط مدينة بابل، من دون أية إشارة إلى فترة حكم داريوس المادي الفاصلة.
الرد: لا تذكر نصوص العقود والاتّفاقيات البابلية بيلشاصّر كذلك، والذي يقول عنه دانيال إنّه كان "ملكاً". يعود هذا إلى أن نصوص العقود والاتفاقيات لا تذكر دائماً كل شركاء الحكم (الذين يحكمون مع الملك الرئيسي). وفي حالة شراكة الحُكْم بين كورش وداريوس المادي، كان طبيعياً تأريخ نصوص العقود والاتّفاقيات البابلية بحكم الملك الذي داخل بابل فاتحاً لها (كورش). ومع هذا، فثمة احتمال بوجود نصوص عقود واتّفاقيات تُؤرَّخ بسني حكم داريوس المادي، حيث أنّ العلماء المعاصرين يربطون هذه النصوص بحكم أحد ثلاثة أشخاص يُدعون داريوس حكموا لاحقاً، فيما قد يكون بعض هذه النصوص يؤرِّخ عقده بسني حكم داريوس المادي.
الاعتراض #2: ليس كتاب "كيروبيديا" لزينوفون مصدراً يمكن الوثوق به بشأن تاريخ كورش.
الردّ: هذا التقييم لكتاب "كيروبيديا" مبني على افتراض أن كاياجسِريز الثاني شخصية خيالية وغير حقيقيّة. لكن إن قَبِل المرء تاريخية كاياجسِريز الثاني، فسيبدو كتاب "كيروبيديا" أكثر موثوقية بصورة كبيرة. وعلاوةً على ذلك، أظهر زينوفون أنه أكثرُ دقّةً من هيرودوتس في ما يختصّ بتنشئة كورش الملكية، وبوجود بيلشاصّر، وبوجود غوبرياس، وبزواج كورش من ابنة كاياجسِريز.
من أجل قراءة مزيدٍ من التفاصيل حول داريوس المادي والأسباب التي تدفع لاعتباره كاياجسِريز الثاني والمصادر القديمة التي تدعم هذه الهوية، انظر مقالي Darius the Mede: A Solution to His Identity (داريوس المادي: حلّ بشأن هويته).
Copyright © 2020 by Steven D. Anderson.
الدكتور ستيفن د. أنديرسن مدرِّس لتفسير الكتاب المُقدَّس في (Seminario Teológico Evangélico Gozo Eterno (STEGE. نال أنديرسن شهادة الدكتوراة في الدراسات الكتابية بتخصُّص تفسير الكتاب المُقدَّس من معهد دالاس للاهوت (Dallas Theological Seminary) في مدينة دالاس بولاية تكساس.